المدير الناجح مصدر إشعاع لسعادة العاملين
لا شيء يرفع من كفاءة المنشأة، ويطلق فيهلا روح الحماسة والابداع قدر إحساس العاملين فيها بالانتماء والثقة في النفس، وهما وجهان لعملة واحدة، يصكها المدير الناجح، الذي يؤمن بالاتحاد لا التسلط، فيتحرك وسط منشأته بشكل يتصف بالبساطة والمودة، ويتصل بكل فرد فيها بطريقة تخلو من الروح البيروقراطية.
لسنا إلا نتاج المناخ العام، إن دفعنا إلى التحمس وإجادة، تحمسنا وأجدنا، وأن كان باعثا على اليأس والاحباط، يئسنا وتخاذلنا.
وأنظر إلى أية منشأة فاشلة، أو أمة متخاذلة، ناهضة، تجد أن المديرين والمفكرين فيها يعزفون بمهارة شديدة على أوتار الثقة في نفوس العاملين والمواطنين.
وأنظر إلى أية منشأة فاشلة، أو أمة تجد أن المديرين والمفكرين فيها يعزفون معظم الوقت على أوتار الثقة في نفوس العاملين والمواطنين.
وأنظر إلى أية منشأة فاشلة، أو أمة متخاذلة، تجد أن المديرين والمفكرين فيها يعزفون معظم الوقت على أوتار الذم والتثبيط.
قام أحد العلماء الأمريكيين بتجربتين لطيفتين في إحدى المنشآت:
اما التجربة الأولي فتتلخص في أنه سأل جميع العاملين في المنشأة عن السبب وراء تحقيق بعض أهداف المنشأة، فجاءت الإجابات:
" السبب هو ارتفاع كفاءتنا، وزيادة نشاطنا، وعلو همتنا ".
ثم سألهم عن السبب وراء عدم انجاز بعض الأهداف، فجاءت الإجابات:
" السبب هو فساد النظام، وتدخل الإدارة، ورداءة الظروف ".
هي طبيعة بشرية إذن، أن يعجب المرء بنفسه عند النجاح، ويلوم الآخرين عند الفشل.
أما التجربة الثانية فهي أنه طلب من كل فرد في المنشأة، أن يضع لنفسه ترتيباً من حيث الكفاءة (الأول أو الثاني أو الثالث … الخ )، فوجد:
أن 100% من العاملين يضعون انفسهم في النصف الأعلى من القائمة.
وأن 60% منهم يضعون أنفسهم في العشر الأعلى من القائمة.
وأن 25% منهم يضعون أنفسهم في الـ 1% الأعلى من القائمة.
هي طبيعة انسانية إذن، أن يقيم الفرد نفسه تقييما أعلى من حقيقته، ماذا يعني هذا؟
يعني أن الإنسان محتاج دائما إلى أن يثق بنفسه ويرضي عن ذاته … يعني أن الثقة في النفس مطلب شديد الأهمية عند الإنسان، به يعيش سعيدان متحمساً، مطلعا إلى الأحسن، وبدونه يعيش تعيساً، متخاذلا، غير راغب في إنجاز أو تحسن.
يعني أن المدير، إذا أجاد العزف على أوتار الثقة في النفس لدي العاملين، كان مصدر إشعاع عظيم للسعادة بينهم، وبالتالي كان مصدر نجاح المنشأة.
سيقول كثير من المديرين: " هذا شيء معروف وهذا فعلا ما أفعله في منشأتي " … ولكن، هل هذا صحيح؟
وإذا كانت " الثقة في النفس " هي الوجه الأول لعمله " النجاح " فإن الوجه الثاني هو " الانتماء ".
والانتماء هو احساس الفرد في المنشأة ( أو الامة ) بان نمو المنشأة ( أو الأمة ) يعني نموه، وان كسادها يعني كساده وأنه يؤثر في كيان وأهداف المنشأة كما تؤثر المنشأة على كيانه وأهدافه، وأن صالح المنشأة ليس فقط صالح الكبار فيها، وإنما هو صالح الصغار والكبار، وأن ( الانسانية ) أو ( الكفاءة ) ليستا شيئين متعارضين، بل ولا حتى مختلفين لأنهما في ظل الانتماء يعنيان شيئاً واحدا: هو " انتعاش الجميع ".
كذلك ( العمل ) والكلام ليسا أمرين متعارضين أو مخلفين، لأنهما في ظل الانتماء يعنيان شيئاً واحدا: هو " البناء للصالح العام ".
في المنشآت التي تتمتع بشيوع ظاهرة الانتماء فيها، يكون كيان كل فرد مرتبطا بكيان المنشأة، وشخصيته مرتبطة بشخصيتها، فلا تنحصر قيمة الفرد في منصبه او درته الوظيفية.
ولا يعني ذيوع ظاهرة الانتماء في منشأة، انعدام المعارضة فيها، أو الاتفاق الكامل على كل شيء، وغنما يعني أن المعارضة فيها تعمل في ضوء لا في ظلام، وتستهدف الصالح العام، ويمل لها الجميع وافر التقدير والاحترام.
ولكن من هم هؤلاء – داخل المنشأة – الذين يستطيعون العزف بمهارة على أوتار الثقة في نفوس العاملين، فيثيرون فيهم روح الحماسة والإبداع؟
من هم الذين يستطيعون بث روح الانتماء للمنشأة، فيعمل الجميع لصالح الجميع، وكأنهم أعضاء في جسم واحد، أو أحجار في بناء متماسك؟
هؤلاء الأشخاص هم قادة، يؤمنون بأن قوتهم تنبع من قوة الآخرين وأن هذه القوة تنتج من التوحيد لا من التحكم.
هم قادة حبا الله المنشأة بهم، فنقلوا إيمانهم إلى من معهم، بالنصح والايعاز أحياناً، وبالتخدير أحياناً، وبالاطراء أحياناً، وبالقدوة دائماً.
هم قادة يكفيهم أقل قدر من ضروريات الحياة، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى طلب العلم والاحترام والمحبة.
هم صفوة، إذ نالوا كسبا نفعوا وانتفعوا، وإذا نالوا منصبا كان همهم الأوحد منه الاصلاح والنفع العام.
قل لي إذن: هل المديرون في هذه المنشأة أو تلك، مصدر اشعاع لسعادة العاملين، أم مصدر اشعاع للفم والنكد؟ أقل لك مقدار نجاح المنشأة أو فشلها، ولا جرم، فدرجة النجاح يمكن ياسها بكمية البهجة التي يحدثها المديرون لدي العمالين، هذه البهجة التي تنشأ أساساً من " الانتماء " و" الثقة في النفس ".
وما يقال عن المنشأة الناجحة يقال أيضاً عن الامة الناهضة، فلا شيء أقتل للأمة من رؤساء مثبطين للهم، ومفكرين متشائمين محبطين، يشيعون روح اليأس واللامبالاة.
وماذا عن الانتاجية …؟
الحكومة تفكر في زيادة المرتبات لمواجهة الارتفاع المتزايد في الاسعار … وحين يصدر القرار … سوف تلتزم الشركات بالتنفيذ لترتفع التكلفة مرة أخرى … وتزداد الخسائر … أو ترتفع الاسعار … أي أننا– بدون زيادة فعلية في الانتاجية … فسوف ندخل في الحلقة الخبيثة.
المدير العربى المنظمة العربية للتنمية الادارية