السعودية دانيا التي أدخلت الأميركي توني إلى بيتها!
GMT 2:15:00 2008 الأحد 31 أغسطس
سارة المكيمي
(مرحبا توني .. أنا دانيا، أريدك أن تسافر معي إلى مدينة جدّة الساحلية في السعودية).
هكذا بدأت دانيا الحمراني الفتاة السعودية من جدّة مقدمة رسالتها المصورة الموجهة إلى مقدم برنامج « No Reservations» (بدون تحفظات) الأميركي. ويعتبر آنتوني بوردين واحدا من أهم الطهاة الأميركيين وأكثرهم شهرة في عالم المأكولات والاستكشافات الطهوية في أميركا، فبعد أن كان شيفا معروفا في نيويورك، عكف «توني» على تأليف سلسلة من الكتب الذائعة الصيت أصبحت من الاكثر مبيعا في بلده. ثم بدأ في السفر حول العالم لاستكشاف الشعوب و دراسة موروثهم من مأكولات وأطباق و تحليل عاداتهم وتقاليدهم المرتبطة من بعيد أو قريب مع ما يأكلونه في حياتهم اليومية من وصفات طهوية ومكونات مختلفة.
تنتج قناة «ترافل تشانل» (قناة السفر) برنامج «توني» الشهير «بدون تحفظات» الذي من خلاله وعلى مدى خمسة مواسم متتابعة يزور توني كل بقاع العالم، يأكل أغرب المأكولات، ويضع بين أيدي الشعب الأميركي سلسلة من الوقائع والمعلومات والاحداث التي تُعرِّف المشاهد على ما يجهله عن ذلك الشعب. وبخطوة رائدة قامت دانيا الحمراني بإرسال شريط مصور إلى توني تدعوه للقدوم إلى جدّة واستكشاف ما لا يعرفه المواطن الأميركي وتوني نفسه عن تلك البقعة المجهولة -إلا من تكهنات سلبية- عن مدينة قوامها الإسلام وشعبها «المتطرف»!
تردد توني في البداية في قبول الدعوة، لكنه في النهاية اختار أن يزور دانيا مستبعدا ثلاثة متسابقين آخرين، لأن وطنها من وجهة نظره سيكون الأكثر تحديا وصعوبة بالنسبة له، فلا كحول في السعودية التي تُحكم بالأحكام الإسلامية الصارمة، وهي نفسها البلاد التي جاء منها 15 من من أصل 19 من منفذي هجمات 11 سبتمبر 2001. تساءل توني (هل هناك بلاد في العالم يجهلها الأميركيون أكثر من السعودية؟). اتخذ القرار وسافر بعيدا عن تمثال الحرية ليزور بلدا لا يعرف عنه شيئا إلا وفرة النفط... والإرهاب! وصل توني لتستقبله دانيا.. امراة مكتنزة ربما هي في نهاية عشرينياتها، ترتدي حجابا محكما وملابس فضفاضة غلب عليها اللون الغامق، أدخلته بيتها وعرفته على زوجها أنس. سألها توني: «ماذا نحن فاعلون؟ وهل تعتقدين أنني سأقضي وقتا ممتعا هنا»؟ قالت: «أنا متأكدة انك ستقضي وقتا جميلا هنا، لأنك ستعرف أشياء اعتراها تراب التوقعات والتكهنات وحكم عليها بالمقت في بلادك، لقد دعوتك إلى بيتي، أولا لأنني أريد أن يعرف شعبكم أننا لا نجلس على الأرض دائما، ولا نقطن الخيام. أريد أن أريك تلفزيوني المسطح الكبير والمسلسلات الأجنبية الجميلة التي نشاهدها .. مثلكم تماما». تدور أحداث البرنامج غالبا حول محور طعام أهل البلد الذي يزوره توني، ومن هذا المنطلق يبدأ هو بتحليل نظرته الشخصية على ما يراه ويسمعه ويتذوقه.
دانيا هي أول امرأة سعودية تمتهن الاخراج التلفزيوني، والأولى التي حصلت على رخصة لإدارة شركة الإنتاج الخاصة بها بدون وجود رجل. أخذت دانيا توني إلى وسط البلد .. سوق قديم وحارات متشابكة، أكلوا إفطارا جدّاويا عريقا في مطعم «أبو عبدالله» عبارة عن قلوب وكلاوي مطبوخة مع البهارات والطماطم. سمع صوت الأذان ورأى الناس يتركون كل شيء ويصلّون بتناغم منقطع النظير فقال: «يصدح صوت النداء للصلاة خمس مرات في اليوم، الصوت الذي أسمعه مخيف، ولكنه في الوقت نفسه بمنتهى العذوبة، يذكرني الصوت دائما بأنني في بلد يحكمها الدين. اذا استطعت عزيزي المشاهد -مخاطبا المشاهد الاميركي- ان تغض النظر عن كل المعلومات السابقة التي تعرفها عن هذا المكان، اذا استطعت أن تنسى التكهنات التي وُضعت في رأسك على مدى الأعوام السابقة، اذا وضعت كل هذا جانبا، ستدهش وستجد الأمر غاية في الجمال». أخذت دانيا ضيفها في يخت إلى وسط البحر الأحمر للصيد والسباحة مع مجموعة من الاصدقاء. أحب توني الصيد واستغرب وفرة الأسماك الجميلة التي يصيدها عبدالله، صديق دانيا. غاص توني في البحر ليجد دانيا تسبح بجانبه وقد صممت لنفسها لباسا محتشما للسباحة أطلق عليه توني اسم « آكوا عباية». تتوالى الاحداث والمأكولات السعودية من «مندي» لحم عجل مطبوخ بالكامل تحت الارض، إلى ضب يصطاده عمر، صديق دانيا، من عمق الصحراء. ثم وليمة كبيرة من لحم جمل صغير، إلى مطعم «البيك» وهو محاكاة جداوية لدجاج كنتاكي. واخيرا وليمة عائلية كبيرة في بيت دانيا الذي اجتمع فيه الأهل والاصدقاء وعمرت سفرة الطعام فيه بكل ما لذ وطاب من طهي نساء جَدّة الاصيلات من شوربة الزبادي وعيش ابو لحم ومكبوس دجاج إلى نوعين من الكبب اللذيذة.
انبهر توني بتنوع المأكولات التي طرحت أمامه، والموروث الاجتماعي الذي التصق بالطبيعة الانسانية التي لازمت وفرة الطعام وحثّت بطريقة غير مباشرة على المشاركة بين الناس. أخذ على عاتقه أن يوصل معلومة جديدة لشعبه البعيد، وهو انه لا يتوجب ان أوافقك في آرائك لكي احبك او اصادقك. فقال في نهاية البرنامج «من كان يتصور ان السعودية من الممكن ان تكون في غاية البهجة، الناس من منطقة غاية في الاختلاف عن المكان الذي اسكن، وعن المعتقدات التي أعتنق، لكن من الممكن ان يكونوا قريبين جدا منّي! يضحكون معي من الاعماق ويشعرونني بالأمان والسعادة! أنا لا اناقش هنا فكرة ان ما يقال عن السعودية في الأخبار غير صحيح او غير دقيق، ولكن ما يقولونه لنا لا يشمل الصورة الكبيرة لواجهة الانسان السعودي، الصورة المعقدة التي تضمحل داخلها بساطة الشعب السعودي وشفافيته الجميلة. انا لا أريد ان اظلمهم في تلخيصهم ببضعة سطور، ولكن من العدل ان أقول إنني قابلت بشراً بمنتهى الفخر، منتهى اللطف، ومنتهى الانسانية. أما الطعام باختلاف اصوله وتعدد نكهاته، فقد كان أفضل بكثير مما توقعت. وطبعا .. تلك المرأة غير العادية التي حملت على عاتقها مهمة الدفاع عن وطنها وتحسين صورته في الخارج، تقف تلك المرأة شامخة تتحدى الطبيعة الصعبة على الرغم من كل شيء. شكرا دانيا لأنك أريتني ما غفلتُ عنه، وصححتِ لي الكثير من الأفكار الخاطئة، ولأنك فتحتِ نافذة على العالم البعيد الذي اكتشفت في النهاية انه قريب جدا من طبيعتنا».